يحرم على المستفتي تتبع الرخص، وهو أن يختار من كل مذهب ما هو أهون عليه، فكلما وجد رخصة في مذهب عمل بها ولا يعمل بغيرها في ذلك المذهب.
وهذا يفسق بتتبع الرخص لأنه لا يقول بإباحة جميع الرخص أحد من علماء المسلمين لأن القائل بالرخصة في هذا المذهب لا يقول بالرخصة الأخرى التي في غيره.
قال الإمام الغزالي: لا يجوز للمستفتي أن يأخذ بمذهب بمجرد التشهي، أو أن ينتقي من المذاهب في كل مسألة أطيبها عنده.
قال ابن عبد البر: لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعاً.
هل على المستفتي العامي أن يلتزم بمذهب معين في كل واقعة؟
إن المستفتي العامي له أن يستفتي من شاء من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم ولا يجب عليه أن يتقيد بأحد من الأئمة بإجماع الأمة.
فالعامي لا مذهب له، ومذهبه مذهب من يفتيه ممن عرف بالعلم والعدالة وفقه النفس، وأهلية معرفة الأحكام الشرعية من أدلتها المعتبرة.
إذا اختلف جواب مفتيين في مسألة ماذا يفعل المستفتي
سئل الشيخ بن عثيمين رحمه الله تعالى عما يحصل من اختلاف الفتيا من عالم لآخر في موضوع واحد ، ما مرد ذلك ؟ وما موقف متلقي الفتيا ؟
فأجاب : أما بالنسبة للمستفتي فإنه إذا اختلف عليه عالمان مفتيان فإنه يتبع من يرى أنه أقرب إلى الصواب إما لعلمه وإما لورعه ودينه ، كما أنه لو كان الإنسان مريضا واختلف عليه طبيبان فإنه سوف يأخذ بقول من يرى أنه أقرب إلى الصواب فإن تساوى عنده الأمران ولم يرجح أحد المفتين على الآخر فإنه يخير إن شاء أخذ بهذا وإن شاء أخذ بهذا وما اطمأنت إليه نفسه أكثر فليأخذ به.
إذا تعدد المفتون من الذي يستفتى
إن المستفتي متى اطلع على الأوثق منهما فالأظهر أنه يلزمه تقليده دون الآخر، كما وجب تقديم أرجح الدليلين وأوثق الراويين، فعلى هذا يلزمه تقليد الأورع من العالمين والأعلم من الورعين، فإن كان أحدهما أعلم والآخر أورع قلد الأعلم على الأصح لأنه أرجح، والعمل بالراجح واجب كالأدلة لأن العالم مستفاده من علمه لا من ديانته.
إن المستفتي العامي إن سأل المفتي عن مأخذ الحكم استرشاداً لا تعنتا، فعلى المفتي أن يجيبه لذلك تحصيلا لإرشاده واطمئنان قلبه، أما إذا كان مأخذ الحكم مما يخفى على المستفتي، فلا يجيبه ويعتذر له بخفاء المدرك عليه.
اطمئنان قلب المستفتي قبل العمل بالفتوى
لا يجوز للمستفتي العمل بالفتوى بمجرد صدورها من المفتي إذا لم تطمئن نفسه، وحاك في صدره من قبوله، وتردد فيها، لقوله صلى الله عليه وسلم : «استفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك» رواه أحمد والدارمي.
فيجب عليه أن يستفتي نفسه أولاً لأن فتوى المفتي لن تخلصه من الله تعالى إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه.
ولا يظنن المستفتي أن مجرد فتوى الفقيه تبيح له ما سأل عنه إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه في الباطن سواء تردد أو حاك في صدره لعلمه بالحال في الباطن أو لشكه فيه أو لجهله به أو لعلمه جهل المفتي به أو محاباته في فتواه أو عدم تقيده بالكتاب والسنة
أو لأنه معروف بالفتوى بالحيل والرخص المخالفة للسنة وغير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه وسكون النفس إليها، فإن عدم الثقة والطمأنينة لأجل المفتي، يسأل ثانيا وثالثاً حتى تحصل له الطمأنينة فإن لم يجد فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها والواجب تقوى الله تعالى بحسب الاستطاعه.